في عام 1989 نشر المؤرّخ الأمريكي الراحل “ديفيد فرومكين” كتابه (A Peace to End All Peace – سلامٌ أنهى كل سلام) والذي تحدّث فيه عن الأحداث التي أدّت لسقوط الدولة العثمانية والتغييرات التي حدثت في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، منتقداً النزعة الغربية للتدخل والسيطرة على المنطقة
يبدأ الكتاب حديثه منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، وما شهدته تلك الفترة من ظهور رؤية “ديفيد جورج” التي منحت بريطانيا حق التوسّع في المنطقة لخدمة مصالحها. ثم يتطرق لهزيمة بريطانيا في حرب الدردنيل التي حاولت أن تعوضها من خلال مساندة الثورة العربية على الدولة العثمانية، ثم يتحدث عن عدم رضا بريطانيا عن نتائج الثورة العربية الأمر الذي جعلها تحاول التفاوض مع “أنور باشا” وزير الحربية في الدولة العثمانية، قبل أن تتفاوض مع فرنسا وروسيا على اقتسام الأراضي العثمانية وإطلاق (وعد بلفور) عام 1917، والذي لحقته اتفاقية ترسيم الحدود بعد سقوط الدولة العثمانية
الفكرة الأساسية التي تظهر هنا تأتي من اسم الكتاب (سلامٌ أنهى كل سلام) حيث يُوضّح “فرومكين” أن اتفاقيات ترسيم الحدود -ومنها اتفاقية سايكس بيكو- كانت عبارةً عن سلامٍ وهمي الهدف منه استمرار الأزمات وغياب السلام في المنطقة حتى وقتنا الحاضر
وعندما تقرأ نص اتفاقية ما تُسمّى صفقة القرن، يتبادر إلى ذهنك مباشرةً عنوان كتاب “ديفيد فرومكين”، حيث أن الشروط الشديدة التي وضعها الجانب الأمريكي -صاحب الفكرة- تبدو شروطاً مستحيلة التحقيق، ولعل تلك الشروط تعطي لنا فكرةً عن مدى مصداقية بعض التحليلات التي تتحدّث عن أن توقيت إعلان صفقة القرن ما هو إلا من أجل محاولة إنقاذ رئيس وزراء الكيان الصهيوني “بنيامين نتنياهو” من قضايا الفساد التي تطاله، وإنقاذ “دونالد ترامب” من تحقيقات مجلس الشيوخ من أجل محاكمته
ما يُلفت النظر أيضاً خلال المؤتمر الصحفي لإعلان صفقة القرن، هو الحديث المبالغ فيه عن النصوص التوراتية حيث قال “نتنياهو”: “نعيش في أماكن مقدسة لليهود جاءت في الإنجيل، هذه الأماكن الآن سيعترف بها من قبل أمريكا كجزء من إسرائيل، وترامب اعترف بأشياء أساسية في تراثنا اليهودي“
هذا الأمر يُعيدني للحديث عن سلسلة المقالات التي تحدّثت فيها قبل أكثر من عامٍ من الآن، عن نشأة المذهب المسيحي البروتستانتي وعلاقته بالصهيونية وتأثيره على سياسات الولايات المتحدة الأمريكية (تجدها هنا)
الاستناد الواضح إلى التوراة في المؤتمر الصحفي، يُعطي إشارة واحدة وواضحة على أن الجانب الصهيوني لا يريد السلام مطلقاً ولا يطمح له، فهو يعتبر الأمر مسألةً دينيةً بالدرجة الأولى لا تقبل النقاش، وما تلك الشروط الإعجازية إلا لرفع سقف التوقعات حول أي اتفاقية مستقبلية للسلام
دة الفعل العربية في المقابل كانت تعطي إشارةً إلى علمها الكامل بالنوايا الصهيونية سواءً من خلال توقيت الإعلان أو شروطه، حيث أوعزت الأمر لموافقة الجانب الفلسطيني وأنها ستسانده في أي قرارٍ يتّخذه لعلمها الكامل بصعوبة موافقتهم على صفقة القرن التي تسلبهم حقوقهم بالكامل