
في البداية، لا يُمكن بشكلٍ قاطعٍ تحديد من أين نشأت لعبة كرة القدم، فقد أشارت الكثير من الحضارات إلى عدة ألعاب تتضمن ركل الكرةِ بالأقدام، إلا أنه يُمكن القول بأن كرة القدم بشكلها الحديث تعود جذورها إلى (لعبة الغوغاء Mob Game) والتي انتشرت في بريطانيا في العصور الوسطى.
في ذلك الوقت، اختلفت قواعد اللعبة من مكانٍ إلى آخر ولم يكن هنالك عدد محدد للاعبين، وكانت اللعبة عنيفة وفوضوية وتضمنت فريقين يحاول كل منهما ركل الكرة تجاه هدفٍ ما في الطرف الآخر من الملعب، وبسبب ما احتوت عليه من عنفٍ وفوضوية تم حظرها أكثر من مرة.
وفي أوائل القرن التاسع عشر، قرّرت المدارس العامة في بريطانيا أن الرياضة يُمكن تسخيرها لتهذيب أخلاق التلاميذ، لتظهر ما تُشبه كرة القدم الحالية، وقبل أن تكون هنالك تكتيكات واضحة، كان هنالك مجموعة مترابطة من القوانين التي تحكم هذه اللعبة.

بدأت التشكيلات التكتيكية بالظهور بعد أن ارتفعت شعبية اللعبة خلال القرن التاسع عشر، وبسبب اختلاف القوانين من مكانٍ لآخر، قرّر “هنري مالدن” عقد اجتماع في عام 1848م لتحديد قوانين واضحة لكرة القدم والتي عُرِفت فيما بعد بـ(قوانين كامبريدج)، قبل أن يتأسس الاتحاد الإنجليزي سنة 1863م.
ظهور القوانين الواضحة المبدئية لكرة القدم، جعل أفكار من يلعبونها أو من يقوموا بمتابعتها تتجه لأمور أخرى تخص اللاعبين وتحركاتهم. ففي نهاية سبعينات القرن التاسع عشر، بشّر “تشارلز ألكوك” -والذي كان لاعباً ثم مدرباً- بما وصفه بـ (المبدأ الكبير والأساس في كرة القدم).
أطلق “ألكوك” على هذا المبدأ (المساند Backing Up) ويقصد به اقتراب اللاعب من زميله ومتابعته عن كثب لمساندته إذا لزم الأمر أو أخذ الكرة منه في حال تعرّض لهجوم أو تم منعه من التقدم. فقد شعر بضرورة تعلّم اللاعبين أهمية مساندة زملائهم المتوجهين نحو مرمى الخصم من أجل استمرار الهجوم.
بجانب انجلترا، كانت اسكتلندا تلعب كرة القدم بقوانين مختلفة نوعاً ما دون وجود اتحاد للعبة، وكان يغلب عليهم الطابع الاستعراضي المليء بالمراوغات، مع وضوح كبير لرشاقة اللاعب الاسكتلندي وخفة حركته، ليقرر الطرفان إجراء مقابلة بينهما في مباراة كرة بقوانين محددة للطرفين.
وفي الثانية من مساء يوم السبت 30 نوفمبر 1872، وعلى ملعب نادي غرب اسكتلندا للكريكيت، أُقيمت أول مباراة دولية في تاريخ كرة القدم، وجمعت بين منتخب انجلترا والمنتخب الاسكتلندي، وكانت هذه المباراة الأولى ضمن سلسلة 5 مباريات دعى لها “تشارلز ألكوك” أمين عام الاتحاد الإنجليزي حينها.
دخل منتخب انجلترا حينها بخطة 7-2-1، فيما كانت خطة اسكتلندا 6-2-2، ورغم وجود 13 مهاجماً من أصل الـ22 لاعباً على أرض الملعب، إلا أن المباراة انتهت بالتعادل السلبي، ولم يستطع أياً من الطرفين تسجيل أي هدف.
استمرت محاولات الفرق في التحسّن على المستوى التكتيكي، وظهرت التمريرات القصيرة بين الخطوط ومنتصف الملعب ثم حاولت الفرق دمجها مع المراوغات، خصوصاً نادي “كوينز بارك” الاسكتلندي والذي كان له تأثير كبير على فكرة التمريرات المتواصلة ودمجها مع مهارة اللاعبين في المراوغة.

بعد سنواتٍ قليلة، ظهرت خطة 5-3-2 والتي عُرِفَت بـ(الهرم) عندما لعب نادي جامعة “كامبردج” بها بشكل رسمي، ولكن قبل ذلك كانت هنالك بعض المحاولات للاعتماد عليها خصوصاً من طرف نادي “نوتنغهام فورست” عندما كان “سام ويدووسن” قائداً للفريق.
الانتشار التدريجي لخطة 5-3-2 حوّل مركز (قلب الدفاع) إلى نقطة ارتكاز الفريق، حيث تحدّث الكاتب النمساوي “ويلي مايسل” عن قلب الدفاع حينها بأنه “الرجل الأكثر أهمية على أرض الملعب”. واستمرت فرق كرة القدم لنحو 3 عقود لا تلعب بأكثر من مدافعين اثنين، حتى تغيير قانون التسلل عام 1925.

كان قانون التسلل منذ عام 1866م يقتضي بأنه حتى يكون المهاجم خارج منطقة التسلل لا بد من وجود 3 لاعبين بينه وبين مرمى الخصم (حارس المرمى ولاعبين اثنين آخرين). هذا القانون منذ نشأته كان يُصعّب من مهمة المهاجمين بشكلٍ كبير، وهو ما أدّى إلى قلّة معدل الأهداف في المباريات.
وفي عام 1925، قرر الاتحاد الإنجليزي تعديل القانون ليتطلب وجود اثنين من اللاعبين (حارس المرمى ولاعب آخر) بين مهاجم الخصم والمرمى ليكون غير متسلل. تغيير قانون التسلل رفع كثيراً من متوسط عدد الأهداف لكل مباراة، ولكنه أيضاً ساهم في ظهور تغييرات كبيرة على خطط اللعب.
كان “هيربرت تشابمان” في ذلك الوقت هو أشهر مدربي انجلترا، حيث حقق مع هدرسفيلد بين عامي 1921-1925 بطولة الدوري مرتين وكأس إنجلترا مرة واحدة، قبل أن ينتقل لتدريب أرسنال، ويقودهم لتحقيق الدوري مرتين والكأس كذلك في الفترة من 1925-1934، وظهرت معه فكرة (الهجوم المرتد) لأول مرة.

في تلك الفترة، كان الفريق الذي يستحوذ على الكرة عادةً هو الفريق الأقرب للفوز، وكان (الهجوم المرتد) فكرة تأتي بحسب الظروف، ولم تكن خطة يُعتمد عليها. فكما تحدثنا، كانت الفرق تعتمد على خطة 5-3-2، ولكن مع تغيير قانون التسلل ابتكر “تشابمان” خطة 3-2-2-3 بوجود مركز جديد هو Center Back.
خطة “تشابمان” عُرِفت بطريقة (الظهير الثالث) أو (خطة WM) حيث اعتمد مدرب أرسنال على التراجع للدفاع في مناطقه لمحاولة جلب الخصم أكثر لملعبه، ثم لعب الكرات الطويلة مباشرةً حال استعادة الكرة إلى الأمام لمحاولة استغلال تقدم الخصم وعدم تنظيم دفاعاته.
نجاح (خطة WM) التي ابتكرها “تشابمان” جعلت المنتخب الإنجليزي يعتمد عليها، وكانت هذه الخطة مع خطة (الهرم 5-3-2) هما أشهر خطتين لعبت بها المنتخبات الـ13 التي شاركت في كأس العالم الأول عام 1930 في #الأوروغواي، مع أفضلية أكبر لخطة الهرم والتي لعبت بها الأرجنتين والأوروغواي النهائي.