إيران وتسييس الحج ونظرية أم القرى

قد يتسائل البعض عن هدف إيران الحقيقي من محاولات تسييس الحج المتكررة كل عام، ولعل الإجابة نراها صريحةً وواضحةً في كتاب (مقولات في الاستراتيجيات الوطنية) للكاتب “محمد جواد لاريجاني”

في البداية دعونا نتعرف على “محمد جواد لاريجاني”

“محمد جواد لاريجاني” متخصص في الرياضيات ويحمل درجة الدكتواه في الفيزياء من أعرق الجامعات الأمريكية وهو معجب بالمجتمع الأمريكي وبالثقافة الأمريكية، ومع ذلك فهو شديد التمسك بمنطلقاته القومية، كما أنه تقلد عدداً كبيراً من المراكز والمسؤوليات في الحكومة الإيرانية، حيث عمل نائباً في البرلمان الإيراني لعدة فترات وشغل منصب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لمجلس الشورى وعمل مستشاراً في وزارة الخارجية وترأس لجنة حقوق الإنسان في السلطة القضائية التي كان يرأسها أخوه “أية الله لاريجاني”، وهو أيضاً أخو “علي لاريجاني” رئيس البرلمان الإيراني، فهذا يعني أن أسرة “لاريجاني” ذات نفوذ كبير في نظام الحكم الإيراني وذات تأثير كبير فيه وذات جذور فارسية عميقة.

إن كتاب (مقولات في الاستراتيجية الوطنية) لمؤلفه “محمد جواد لاريجاني” يمثل خريطة طريق للسياسة الإيرانية، خصوصاً تلك المتعلقة بما حول إيران من الدول العربية والإسلامية وعلى وجه الخصوص دول الخليج العربي لما تتمتع به من ثروات وموقع استراتيجي وقلة سكان ورخاوة أرض، ولعل أهم تلك المقولات هي (نظرية أم القرى) التي أبرزت “لاريجاني” وجعلته يوصف بأنه من أهم العقول التي تصيغ السياسة الخارجية التوسعية الإيرانية اليوم.

(نظرية أم القرى) تمثل بروتوكولات النظام الفارسي الصفوي تماماً كبروتوكولات حكماء صهيون المشهورة، حيث الهدف الأساسي هو إعادة إحياء الامبراطورية الفارسية القديمة كنقطة انطلاق لها لتحقيق (نظرية أم القرى) التي يزعم واضعها “محمد جواد لاريجاني” منظّر النظام الإيراني أن (قم) يجب أن تصبح بديلاً عن (مكة)، وأن تصبح إيران هي مركز أم القرى وأن يصبح الولي الفقيه القابع في (طهران) هو خليفة المسلمين.

لقد اتضح من (نظرية أم القرى) التي تبناها نظام الملالي في طهران -كخارطة طريق- أن حقيقة الطريق إلى (القدس) التي يتزين بها النظام الإيراني ما هي في الحقيقة إلا الطريق إلى مكة والمدينة عبر التوسع الإيراني الذي يسعى إلى محاولة تقليل دور هاتين المدينتين وتحويل قم وطهران كبديلين لهما.

ولعل من أهم بنود تلك النظرية -على الأقل المعلن منها- ما يلي:

  • إن إيران -ممثلة بقم وطهران- عليها مسؤولية وواجبات تجاه العالم الإسلامي تتمثل في أن يخضع الجميع لولاية الفقيه وأن تصبح قم هي أم القرى، أي هي دار الاسلام، وهذا حسب السياق المضمر لا يتحقق إلا بالسيطرة على مكة والمدينة وهذا ما يعملون على أمل تحقيقه من خلال بناء جيش قوي وتدخل سافر في دول الخليج وجمع معلومات من خلال تجنيد الجواسيس ومد النفوذ من خلال بذل المال، والحصول على موطئ قدم في البحرين واليمن ولبنان وسوريا، ناهيك عن مد نفوذها في دول الربيع العربي التي لا زالت تعاني من عدم الاستقرار الذي ينسب جزء منه للتدخل الإيراني والإسرائيلي والخارجي، ناهيك عن عملائها في الداخل.
  • إن ولاية الفقيه في معتقدهم ركن من أركان الإسلام يسبق في أهميته أركان الإسلام الخمسة، ولهذا يجب الالتزام بها وبالتالي يجب أن يعمم ذلك على كل بلاد الإسلام، كما يحرم الخروج على ولاية الفقيه بأية حال من الأحوال مهما كانت المبررات لأن ذلك أهم أركان الإسلام وبدونه يعتبر إسلام المرء غير مكتمل.
  • إن (نظرية أم القرى) الإيرانية المزعومة تقبل بالحدود السياسية القائمة حالياً لأنها مجبرة على ذلك لكنها تعمل بكل ما أوتيت من قوة من أجل إزالة تلك الحدود حتى لو أدى ذلك إلى استخدام القوة في الوقت المناسب، وهذا بالطبع ضمن البنود السرية التي ينبئ بها الواقع المشاهد للسياسة الإيرانية والممارسات على أرض الواقع.

كما أشرت سابقاً أن ولاية الفقيه هي أساس قيادة العالم الإسلامي وهو سوف يكون خليفة النبي ﷺ، ولهذا تعتبر إيران الخميني نقطة البداية والمنطلق نحو تحقيق الوحدة الإسلامية، ولهذا فإنها هي أم القرى في الوقت الحاضر وعليها تحمل تلك المسؤولية، وهذه المسؤولية يتحملها الآن “آية الله خامنئي”، ولهذا فإن المحافظة على مكانة أم القرى -وهي إيران الآن كما يزعمون- تتطلب اتباع استراتيجيات خاصة لتعميمها ونشرها وهذا ما تسعى إيران لتحقيقه وقد وضعت هدفاً زمنياً لتحقيق ذلك خلال خمسين عاماً في الظاهر، ولكن ربما تكون المدة المستهدفة أقل من ذلك بكثير.

هناك هدفان مترادفان هما المحافظة على أم القرى، وتحقيق مقولة تصدير الثورة الإيرانية لتعزيز المقولة الأولى وضمان امتدادها والتي تعتمد من أساسها إلى رأسها على ولاية الفقيه، وهذه الأمور أو الحقائق كما سطرها بنيت عليها السياسة الخارجية والدفاع والإعلام والتبشير العقدي الإيراني، ولهذا فهي تحظى بالتطبيق جنباً إلى جنب مع التعديل والتحوير حسب مقتضيات الحال وطبقاً لمتقضيات التقية وعدم الوضوح والنفاق السياسي.

إن هذه النظرية لا تكاد تخلو خطبة جمعة في أية مدينة إيرانية من الإشارة إليها من قريب أو بعيد، بالتصريح أو التلميح حسب متقضى الحال.

إن نظرية أم القرى لم تعد نظرية بقدر ما أصبحت مشروعاً قومياً فارسياً إيرانياً رسمياً غير معلن، لكن إرهاصات تنفيذ أجندته على أرض الواقع بارزة للقاصي والداني خصوصاً على الأرض العربية في الخليج ولبنان وسوريا واليمن ومصر والسودان وغيرها.

اترك تعليقًا

Please log in using one of these methods to post your comment:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s