كَمَا تَكونوا يُوَلّى عَليكُم

“كما تكونوا يولى عليكم”

حديث رواه الديلمي في مسند الفردوس عن أبي بكرة، ورواه البيهقي عن أبي إسحاق السبيعي مرسلاً.
وقد ضعفه غير واحد من أهل العلم، منهم من المتقدمين الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- ومن المتأخرين الشيخ الألباني -رحمه الله- فقد جمع طرقه في سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/490

ربما كان هذا الحديث -الضعيف- هو أكثر ما يبرر به أحوال المنظومة الحكومية في كثير من البلاد العربية، ولكن، هل نستسلم لمثل هذا القول؟ أم أنه سيأخذنا إلى السؤال الأكثر جدلية ودقة:
هل الفساد ينطلق من القاعدة إلى الرأس؟
هل القاعدة الفاسدة لابد وأن تفرز رأس هرم فاسد؟ أم أن القيادة الفاسدة تعمل على إضعاف القاعدة من أجل ترسيخ فسادها وضمان بقائها؟

إن أي منظومة جماعية تحكمها النظم والعلاقات ويتدرج فيها الأشخاص تصاعدياً هي عرضة للفساد، ما لم تحكمها قوانين صارمة تحميها من الوقوع في مكب المصالح الشخصية.

وربما كانت المعضلة الحقيقية هي ميل النفس البشرية -متى ما امتلكت القوة والسلطة- على محاولة جر العمل إلى المصلحة الخاصة، عن طريق إقصاء الطرف الآخر، واستبداله بآخر يؤدي فروض الولاء والطاعة لها، شيئاً فشيئاً حتى يضع المصلحة العامة تحت قدمه وتصبح مصلحته الخاصة غايته وهدفه الوحيد.

ولعل الأشد خطراً من ذلك، هو تشريع الفساد من خلال اجتزاء أو ابتكار قوانين جديدة، أو الاحتيال عليها من أجل فسادٍ قانوني، فيخلق لنفسه جداراً قانونياً يحميه ويرعى مصالحه.

عندها، تصبح القيادة هي رأس الفساد، ويكون فسادها حينها فساداً قانونياً لا تشوبه شائبة، يحمي مصالحها الشخصية ولا يأبه بالمصلحة العامة، لتصبح الوسيلة الوحيدة لتأخذ حقك حينها هي التقرب إلى السلطة بأي وسيلة كانت، لتترك العمل الجاد والمثابرة وتنظم -ودون أن تشعر- إلى منظومة الفساد، وتصبح عجلة ترسي دعائمه.

تقع المسؤولية حينها على تلك الفئات القليلة التي تدرك أسباب الفساد ومخاطره وطرق التخلص منه، فتحاول خلق منظومة اجتماعية تناهض الفساد.

إلا أن المصيبة الكبرى تتمثل في تغلغل الفساد في هذه المنظومة الجديدة، لتنزلق هي كذلك باتجاه المصالح الشخصية، وتتحول من معول هدم للفساد إلى أحد أركانه.

ومن هنا، لا بد من قوانين صارمة تكبح جماح الفاسدين وتقنن صلاحيتهم، والسعي إلى ترسيخ وعي مجتمعي لمفهوم الحقوق الفردية وقدرة الفرد على مواجهة الفساد عبر إداركه لهذه القوانين والقتال من أجل خلقها وتفعليها لينعم بوطنٍ صالح وبيئة سليمة.

اترك تعليقًا

Please log in using one of these methods to post your comment:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s